يلازم الأرملة إحساس دائم مرير بالفقد،وكذلك يشعر أولادها لفقد أبيهم ولكن
إحساسها يكون مركباً متراكباً من الحزن والأسى والحرمان والوحدة، وهو
إحساس يختلف عن إحساس المطلقة، فالمطلقة تشعر بمرارة الفشل في كل
لحظة، ولكنها تنتظر عسى أن يرجعها مطلقها، أو تتزوج بآخر· أما الأرملة
فتعيش بلا أمل، فلا يمكن للميت أن يعود، وكلما كان حبها لزوجها الراحل
كبيراً، كان أثرالفقد قاسياً ومستمراً لزمن طويل، وقد يستمر مدى الحياة·
وبعض النساء يمتن فعلا بعد موت شريك الحياة،
وبعضهم يصبن باكتئاب لا يشفين منه أبداً،
وقليل منهن يتزوجن،
والأكثر يعشن لأولادهن، ويرفضن الزواج مرة أخرى
وفي أمثالنا الدارجة يقولون عن كل أمر محزن مقبض عسير إنه أسود من ليل الأرملة،
وما أصدقه مثلا ! فليل الأرملة أسود طويل، لأن فيه
الوحدة بعد الأنيس،
والبرودة بعد الدفء،
والشقاء بعدالسعادة،
والهموم بعد الفرح··
ساعات الليل الطويلة تعيشها الأرملة لحظة لحظة تجترذكريات الماضي
الطيبة، وتتحسر على كل شيء جميل مضى ولن يعود·
وتدرك الأرملة أن سعادتها انتهت وماتت وقبرت مع زوجها، ولا أمل في أوبة،
وليس لها إلا كهف الذكريات تحبس نفسها فيه، وتعيش على الماضي، بلا
تطلع إلى المستقبل، فالأموات لايعودون إلى الحياة ثانية، وهي دفنت شبابها
مع زوجها، وصارت في الحياة شطر إنسان··
مع من تتحدث الآن؟
ومن سيردعليها؟
إنها تكلم نفسها، وترد على نفسها·· تسأل وتجيب كمن فقد عقله،
وهي فقدت رجلها فليس عجيباً أن تفقد رصانتها وتوازنها النفسي!
وتكتنف الأرملةهواجس وأوهام، فهي تحس دائما كأن روح زوجها الراحل تطوف
حولها، وإذا لمست شيئا من أشيائه، أو رأت ولدا من أولادهما، تشعر كأنه
مات من لحظتها، وتستعبر باكية·· نعشه محمولاً ليذهب بلا رجعة،
وهي ترتجف من الألم،
وتلبس السواد،
وتجلل نفسها وحياتهاكلها بالقتامة·
يعمهاالحزن وإحساس الفقد،
وتحس بأن نصفها ذهب،
بل كلها مضى ولنيعود··
فهي إذن لم تعد موجودة في الحياة··
وقد تشعر بأنها ماتت موتا معنوياً،
وحرمت من كل سعادة في الدنيا··
لا لمسة حانية،
ولا كلمة حلوة،
ولا همسة رقيقة،
ولا أنيس يدفئ لياليها،
ويذهب عنها برودة ليالي الشتاء الطويل،
ووحدة ليالي الصيف