خالد النور مع شباب مصر يضعون شعلة الحرية فى ميدان الحرية

بسم الله الرحمن الرحيم
احبائى واهلى احباء خالد النور واحباء الشعب المصرى واحباء العالم العربى أكاد أن اجزم بأن ملايين الشعب العربي من محيطه لخليجه تسمّرت يوم جمعة الغضب أمام شاشات الفضائيات وأيديها على قلوبها التي تعالى نبضها وتابعت بقلق واهتمام غير مسبوق لما يجريفي ساحة ميدان الحرية، وليس ميدان التحرير حيث اكتسب اسمه في الخمسينات من مظاهرة نسوة ضد الانجليز تحولت لمظاهرة ضد الحجاب، في ساحة ميدان الحرية بدأ الشعب المصري المشوار نحو استعادته لحريتنا وكرامتنا، وأشرقت الشمس على صباحٍ مصريٍ عربيٍ جميل، مصر العربية قلب أمتنا الذي حين يخفق تسري الدماء بشرايين الجسد العربي، مصر الشعب الثائر الذي حطّم قيده وحاجز الخوف وفتح كما الشعب التونسي باب الحرية وعمّده بدماء ابناءه الزكية وأعاد لنا أمجاد الماضي، الشعب المصري كما النيل الهاديء بسطحه الثائر بأعماقه ينتفض شامخاً. تابعنا بقلق شديد لحظة بلحظة وانتقلنا من محطة لمحطة لنقترب أكثر من ثورة الأحرار وأُصبنا بالدهشة ونحن نشاهد الشباب يقود ثورة الشعب بكل فئاته وتأكد لنا بأن الشعب حينما يعقد العزم فإنه قادر على تحقيق المعجزات، ولم يكن أحد ليصدّق قبل جمعة الغضب بأن الشعب سيرفع مشعل الثورة بعد ثلاثين عاماً من القمع والظلم والاضطهاد ويقف شامخاً متحدياً، لكن ثورات الشعوب لا تخضع لحسابات المنطق وتنفجر من حيث لا يمكن لأحد أن يتنبأ، فلم يكن محمد البوعزيزي ذلك الشاب البسيط يعلم بأن النار التي ستأكله ستشعل ثورة تحرق الطغاة واللصوص وتعيد لتونس صباح حريتها.

انطلقت الثورة على الطغيان من قاهرة المعز وامتدت لكل المدن لتظهر مدى هشاشة انظمة الاستبداد التي فرّ أعوانها أمام السيل الثائر الذي لم يوقفه وسائل البطش والقمع ولا طلقات الغاز ولا العصي الكهربائية ولا حتى الطلقات الحيّة التي استخدمتها اجهزة الأمن ضد اخوتهم لأجل حماية اسيادهم، وشعرنا لساعات بأن الدولة أصبحت فارغة بلا مؤسسات وبدون وزراء وقادة ولم يخرج علينا أيٍ من أولئك الذين كانت اصواتهم تصدح يومياً بحمد السلطان وتمجّد الطغيان، حزب حاكم ينضم تحت لوائه أكثر من ثلاثة ملايين عضو يختفون ولم نسمع لأحدهم صوتاً واعتقدنا بأن الارض انشقت فجأة وابتلعتهم، وأصبحت الشوارع خالية إلا من اولئك الذين ينتمون لترابها وحجارتها وأزقتها، اولئك الذين ثاروا من أجل الحرية والكرامة وما أرادوا إلا إسقاط نظام لم يعرف الرحمة يوماً، لم ينتمي لمواطنيه، لم يشعر بألآم الفقراء، انحاز للاثرياء ورجال الاعمال الذين نهبوا كل خيرات الوطن وثرواته وحولوه لشركة خاصة يعيثون فيها فساداً ونهباً وإفساداً، وسارعوا بالهروب عندما استشعروا بالخطر يتهددهم.

تابعنا مشعل الحرية حينما أضاء في ميدان الحرية، وشعرنا بالفخر وبأننا أمة تستحق الحياة، وقد كنا لما قبل ديسمبر الماضي نسمع ما يُقال بأن المواطن العربي خانع ذليل لا يمكن له أن يثور على الظلم بل استمرأ الظلم والذل، فجاءت الثورة التونسية لتصرخ بوجه هؤلاء بأننا شعب خُلق حراً ويعشق الحرية، يصبر كثيراً لكنه حين ينفجر يكون كالبركان الذي هتف بميدان الحرية ضد الظلم والذل والخنوع ولم يرتد الصدى بل امتد ليحرّك شوق الحرية بكل ارجاء الوطن الكبير فلا عجز ولا استعباد بعد اليوم، تلك هي مصر التي إن تململت تثير الرعب بأرجاء الأرض لأنها تحرك المارد العربي فينتفض متحدياً شامخاً ثائراً ضد كل الظالمين، لذلك رأينا العالم كله يكتم انفاسه ويتجه صوب مصر وثورة شعبها ولا ينام ويراقب لحظة بلحظة ما يجري ويتهيأ لليوم التالي لسقوط النظام "الحليف الاستراتيجي" الذي منذ أن تخلى عن دوره بقيادة الأمة أصابها الشلل، وأخذ ما يُسمى بالمجتمع الدولي يمارس نفاقه وينشر اكاذيبه ويعرب عن "قلقه" لاستخدام "العنف"، ويناشد الشعب "بضبط النفس" وعدم إثارة "الفوضى"، هكذا يسمون ثوراتنا، يتباكون على الديمقراطية والحرية ويدعموا حلفائهم الطغاة ويسخروا دولنا لخدمة مشاريعهم، ويقدموا لأنظمة الاستبداد وصفاتهم بإعطاء الشعوب أبر التخدير بكذبة "الاصلاح" والوعد بتحسين الأوضاع ويحرّموا علينا الثورة على ظلمهم وجبروتهم.

ما حدث في تونس ثم في مصر أصاب العالم بالدهشة والذهول لأن الشعب وبشكل غير مسبوق هو من قاد الثورة في البلدين ولم يحمل السلاح ولم يخرّب ولم يعتدي بل اعوان النظام هم من خلعوا زيهم العسكري ليخرّبوا بلدهم ويشوهوا ثورة الشعب وتخلّفت في الثورتين كل الاحزاب والانتهازيين ومن سموا انفسهم بالمعارضة لاعتقادهم بأن حركة الشارع آنية وستنفض سريعاً ولن ينالوا إن ساندوهم سوى غضب السلطان، فلم نراهم في ثلاثاء الغضب ولا في جمعة الثورة ولم نسمع خطبهم العصماء إلا بعدما تأكد لهم بأن مشعل الحرية أضاء ولن ينطفيء وبأن النظام أصبح يعاني من الضعف بدأت تحركهم انتهازيتهم المقيتة وبدأت ترتفع اصواتهم بمطالبته بالرحيل والاستعداد للانقضاض على السلطة. على الشعب المصري أن يحذر كل من يريد أن يحول بينه وبين حريته ويركب موجتها لتحقيق مصالح شخصيه او حزبية ضيّقة بصفقات مع النظام وأعوانه وتحسين وجهه الكالح، ويحذر اولئك الذين يريدون وأدها بقطع كل وسائل الاتصال والتآمر عليها بأظهارها على أنها اعمال تخريبية بعدما تم سحب رجال الأمن واعطاهم اجازات مفتوحة وأطلق قطعان المخربين واللصوص للنهب والسلب وإثارة الفوضى وترويع الناس الآمنين.

لقد استطاع الشعب التونسي بصبره وتضحياته أن يُسقط نظام حكمه لسنوات بالحديد والنار ووقف بكل حزم بوجه من أراد اختطاف ثورته ولم يتنازل عن مطالبه ولم تقنعه الحلول الترقيعية بتشكيل حكومة من بقايا النظام المخلوع ولا زال اعوانه رغم سقوط النظام المستبد يحاولون باستماته للاستيلاء على الحكم وإعادة الحال لما كان عليه، أما في مصر فبدلاً من رضوخ النظام لمطالب الشعب الذي ينادي برحيله لازال الرئيس يعمل على تثبيت نظامه فيعيّن رجل أمن نائباً له وحكومة أمنية قمعية فيقدم بذلك شهادة حسن سلوك لرأس الافعى امريكا بأنه الضامن لمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني وهذا يشير الى أن النظام ربما سيلتقط انفاسه ثم يدخل بمواجهة دموية مع الشعب الأعزل. ندعو الله أن يجنّب هذا الشعب حمام الدم الذي يحضّر له.
تحيا مصر وتحيا الشعب وتحيا الوطن العربى
خالد النور