فيلم "نبيّ" لجاك أوديار: من سجين ضعيف الى قائد عصابة فزعيم مجموعة اسلامية

فيلم "نبيّ" لجاك أوديار: من سجين ضعيف الى قائد عصابة فزعيم مجموعة اسلامية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

مشهد من الفيلم

بيروت – فراس زبيب: الواقعية الصارمة في فيلم "نبيّ" (un prophete) للمخرج الفرنسي جاك أوديار تضع المشاهد في حالة مستمرّة من الترقّب والتوتّر والحيرة. فهي واقعية تكاد، من شدة قسوتها، تشبه الحقيقة البحتة غير المفكّرة. وهو فيلم يكاد، لواقعيته المشهدية، أن يكون فيلما وثائقيا تسجيلي. يروي الفيلم قصة مالك، وهو شاب حُكم عليه بالسجن لستّ سنوات مع بلوغه سن الرشد. يدخل مالك الى عالم السجون وعصاباته ليجد نفسه فجأة في مكان لا يمكن له ان يبقى فيه ولدا ساذجا وضعيفا. وتبدأ في داخل السجن الفرنسي حياة مالك الأخرى، الجديدة، التي سوف يتعلّم منها وفيها كيف يكون قائدا ومتعلّما ومجرما وداهية واصوليا وقاتلا في آن معا... عرف مخرج الفيلم كيف ينقل للمشاهد حياة السجون الفرنسية (التي تشبه سجون باقي العالم)، من دون ان يتدخّل فيها تدخلا فنيا أو رمزي. يصوّر السجن كأنه دخل اليه خلسة مع كاميرته وصوّره من دون ان يغيّر فيه شيء. كأن مشاهد الفيلم تحدث لوحدها، وأحداثه تجري غير مكترثة لوجود الكاميرا أو غيابها، وكأن المخرج بذلك ينقل للمشاهد الحقيقة كما هي، وليس فقط نظرته الشخصية اليها. <TABLE id=bigTab style="WIDTH: 100%"> <TR> <td style="TEXT-ALIGN: justify"><TABLE id=tblImage2 align=left> <TR> <td>[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]</TD></TR></TABLE>الواقعية هي حجة الفيلم وهي قوّته. وفي حين ان المشاهد يعرف منذ دخوله الى قاعة السينما ان الفيلم روائيا، الا انه امام هذا الكمّ من الواقعية سرعان ما يجد نفسه أمام حيرة تأتيه خلسة وتطال كل مشاعره، فلا يعود يعرف ان كان المشهد الذي يجري امامه أقرب الى الحقيقة او الى الرواية. الحيرة هذه لا تجعل المشاهد ينسى أنه يشاهد فيلما روائيا، كُتب وأُخرج ومُثّل ووُلّف، الا انها تأخذه الى بعد مشهدي وفكري جديد، وتجعله يشكّ بقدرته على التمييز بين الواقع والمتخيّل. الفيلم الذي نال جوائز عدة اهمها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان" الاخير، واقعي بشكله وبمشاهده وبمضمونه وبمعناه. هناك، في داخل السجن وزنزاناته الضيقة وممراته المسيّجة، يرى المشاهد نفسه عالقا مع السجناء طيلة مدة العرض، اي الساعتين ونصف الساعة. يعيش معهم على ايقاع حياة السجون ومنطقها، وينتبه بعد خروجه من الصالة انّه احتفظ في ذاكرته بمشاهد الفيلم كأنه شاهدها بالاسود والابيض في حين انه شاهدها بالالوان، الوان السجن الخافتة التي تبدو كأنها درجات مختلفة من لون واحد هو الرمادي. مالك، الشاب الفرنسي مغربي الاصل، يكبر في ضيق السجن ويصبح فيه رجلا. تأخذه حياة السجن الى أمكنة جديدة، الى مخيّلة غير تلك التي اعتاد، في حياته السابقة خارج السجن، ان يجعلها مخيلته. منذ أيامه الاولى في السجن، تجبره عصابة كورسيكية على قتل رجل لمنع هذا الاخير من الخروج ليشهد ضدّ منظمتهم في المحكمة.. والمشاهد يعيش هكذا في بداية الفيلم على ايقاع الضياع والخوف والحيرة التي تسيطر على مالك سيطرة تامة. نراه مجبرا على القتل ونراه، في الوقت نفسه، خائفا من القتل. وحين يرتكب مالك الجريمة التي تُنقذ حياته من موت محتّم، نراه يبدأ مشواره نحو الرجولة التي سيصبح القتل والاجرام من ابرز دعائمها. يصبح مالك واحدا من أفراد العصابة الكورسيكية، رغم كونه عربيا مسلما، فيتعلم لغتهم وقوانينهم ويترقّى في داخل العصابة من كونه مجرد خادم ليصبح واحدا من ابرز رجالاتها. هي قصة عن الحياة، وعن تأثير العالم على المقيم فيه. فمالك، الذي يبدو ضعيفا وساذجا وخائفا في بداية الفيلم يتحوّل، شيئا فشيئا مع مرور الوقت والمشاهد، ليصبح مجرما قاسيا ومحنّكا. هكذا، كما تعلّم الام أولادها مثلا على أشياء الحياة فتجعلهم يشبهونها، او كما تعلّم الحياة نفسها الناس على أشيائها، يعلّم السجن مالك كيف يعيش حياة تستحقّ ان يُسجن من اجلها. مالك استحقّ السجن أكثر، خلال تواجده في داخل زنزانته. هو أصبح فيه اكثر شبها به. هو فيلم عن تلك العلاقة الشائكة التي يتحدث عنها الكثيرون، بين السجن القصاص والسجن الأشبه بمدرسة لتعليم العنف والسرقة والارهاب. <TABLE id=tblImage3 style="WIDTH: 106px" align=right> <TR> <td>[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]</TD></TR></TABLE>السجن عالم له قوانينه المختلفة عن قوانين الدنيا. في فيلم جاك أوديار، وهو واحد من أبرز المخرجين الفرنسيين المعاصرين واكثرهم موهبة، نرى السجن كالمدرسة التي تعلم المسجونين على قتل الطفولة والبراءة والسذاجة التي في داخلهم، واستبدالها بقوة اجرامية وبحنكة ارهابية وبرجولة قاسية. والفيلم يروي ايضا قصة فضيحة عالم السجون الفرنسية، حيث الشرطة نفسها تصبح شريكة في عالم الاجرام، وحيث يساعد الحراس المسجونين الكبار ذوي العلاقات الثرية خارج السجون على القتل والتهويل والتهريب. وهي قصة عن الاسلاميين ايضا، وعن الارهاب والاصولية. فالمخرج يدّعي عبر فيلمه هذا ان السجون الفرنسية تحوّل العرب المسجونين فيها الى أصوليين وارهابيين. وهذا ما يحصل مع مالك نفسه، الذي يترك في آخر الفيلم العصابة الكورسيكية بعد ان يتسبب بقتل افرادها بعضهم البعض، ويتحول هو ليصبح رئيس عصابة اسلامية متطرّفة، بعد تعلّمه قوانين العصابات وطريقة تفكيرهم وكيفية تطبيقها. هي قصة شاب يصبح رجلا، وقصة أزعر يصبح مجرم ومجرم يصبح رئيس عصابة. هو فيلم عن السجن، عن كل السجون، حيث الواقعية هي اللغة الفنية الأبرز، وحيث الأحداث هي رسالة سياسية واجتماعية وثقافية. واحد من ابرز الافلام الفرنسية التي خرجت مؤخرا الى الصالات، فيلم من تمثيل طهار رحيم، الشاب الذي يلعب دور مالك بموهبة هائلة، رغم كونه يمثّل للمرة الاولى. </TD></TR></TABLE>